فصل: بابُ العشرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بابُ العشرِ:

قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَاشِرُ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ وَتَأْمَنُ التُّجَّارُ بِمَقَامِهِ مِنْ اللُّصُوص، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْعَمَلِ، فَقَالَ لَهُ أَتَسْتَعْمِلُنِي عَلَى الْمَكْسِ مِنْ عَمَلِكَ، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ أُقَلِّدَكَ مَا قَلَّدَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي رُوِيَ مِنْ ذَمِّ الْعُشَارِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ مَالَ النَّاسِ ظُلْمًا كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا دُونَ مَنْ يَأْخُذُ مَا هُوَ حَقٌّ وَهُوَ الصَّدَقَةُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْعَاشِرُ يَأْخُذُ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا نَصَّبَ الْعُشَارَ، قَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْمُسْلِمُ رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِمَّا يَمُرُّ بِهِ الذِّمِّيُّ نِصْفَ الْعُشْرِ فَقِيلَ لَهُ: فَكَمْ نَأْخُذُ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْحَرْبِيُّ، فَقَالَ: كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا فَقَالُوا: الْعُشْرَ، فَقَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ الْعُشْرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ خُذُوا مِنْهُمْ مِثْلَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا، فَقَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ الْعُشْرَ وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْمُسْلِمُ حِينَ أَخْرَجَ مَالَ التِّجَارَةِ إلَى الْمَفَاوِزِ فَقَدْ احْتَاجَ إلَى حِمَايَةِ الْإِمَامِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لِأَجْلِ الْحِمَايَةِ كَمَا فِي السَّوَائِمِ يَأْخُذُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِحَاجَتِهِ إلَى حِمَايَتِهِ، وَكَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ فَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ بَلْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ طَمَعَ اللُّصُوصِ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَكْثَرُ وَأَبْيَنُ.
(
قَالَ:) وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا وَجَبَ أَخْذُهُ مِنْ الْكَافِرِ يُضَعَّفُ عَلَيْهِ كَصَدَقَاتِ بَنِي تَغْلِبَ فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَالْأَخْذُ مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَازَاةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَسْنَا نَعْنِي بِهَذَا أَنَّ أَخَذْنَا بِمُقَابَلَةِ أَخْذِهِمْ فَأَخْذُهُمْ أَمْوَالِنَا ظُلْمٌ وَأَخْذُنَا بِحَقٍّ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّا إذَا عَامَلْنَاهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَنَا بِهِ كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ وَاتِّصَالِ التِّجَارَاتِ وَإِذَا لَمْ نَعْلَمْ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْعُشْرَ؛ لِأَنَّ حَالَ الْحَرْبِيِّ مَعَ الذِّمِّيِّ كَحَالِ الذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ لِلذِّمِّيِّ مِنَّا دَارًا دُونَ الْحَرْبِيِّ فَكَمَا يُضَعَّفُ عَلَى الذِّمِّيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ يُضَعَّفُ عَلَى الْحَرْبِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ (قَالَ:) فَإِنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِأَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ مَالًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَمْرُورِ بِهِ عَلَيْهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِمَايَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا فِي بَيْتِهِ وَمَا مَرَّ بِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَارُّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَقَالَ فِي الْحَرْبِيِّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ هَكَذَا، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونُوا هُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا مِنْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَنَحْنُ نَأْخُذُ أَيْضًا حِينَئِذٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ شَرْعًا وَعُرْفًا فَإِنْ كَانُوا يَظْلِمُونَنَا فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْقَلِيلِ فَنَحْنُ لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَأْخُذُونَ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ مِنْ التُّجَّارِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى غَدْرِ الْأَمَانِ وَإِذَا كَانَ الْمُرُورُ بِهِ نِصَابًا كَامِلًا أُخِذَ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ مِثْلُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا عُشْرًا كَانَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (قَالَ:) فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ أَوْ إنْ حَوَّلَهُ لَمْ يَتِمَّ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لِإِنْكَارِهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي السَّوَائِمِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِي، صَدَّقَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ إذَا حَضَرَهُ الْمَالِكُ وَالْمِلْكُ فَكَمَا أَنَّ حُضُورَ الْمَالِكِ بِدُونِ الْمِلْكِ لَا يُثْبِتُ لَهُ حَقَّ الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ حُضُورُ الْمِلْكِ بِدُونِ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَبْضِعَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ دُونَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ لِلْعَاشِرِ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَ الزَّكَاةِ (قَالَ:) وَيَصَدَّقُ الذِّمِّيُّ أَيْضًا فِيمَا يَصَدَّقُ فِيهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَأَمَّا الْحَرْبِيِّ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ فَفِي الْأَخْذُ مِنْهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمَقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا، وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُطَالِبُ بِهِ فِي دَارِنَا، وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ مَا دَخَلَ دَارَنَا إلَّا لِقَصْدِ التِّجَارَةِ فَمَا مَعَهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لِغُلَامٍ فِي يَدِهِ هَذَا وَلَدِي أَوْ لِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى نَسَبِ الْوَلَدِ فَتَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ فِيهِمَا بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا.
فَإِنْ قَالَ الْمُسْلِمُ: دَفَعْتُ صَدَقَتَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِخِلَافِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَانَ الدَّفْعُ إلَى الْمَسَاكِينِ مُفَوَّضًا إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرُورِ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ، وَفِي السَّوَائِمِ كَانَ حَقُّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ (قَالَ:) وَلَا يَأْخُذُ الْعَاشِرُ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْمُكَاتِبُ وَالْيَتِيمُ، وَإِنْ كَانَ وَصِيُّهُ مَعَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كَسْبِ الْمُكَاتِبِ وَلَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ (قَالَ:) وَإِذَا أَخْبَرَ التَّاجِرُ الْعَاشِرَ أَنَّ مَتَاعَهُ مَرْوِيٌّ أَوْ هَرَوِيٌّ وَاتَّهَمَهُ الْعَاشِرُ، وَفِي فَتْحِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ حَلَّفَهُ وَأَخَذَ الصَّدَقَةَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِضْرَارِ بِهِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ لَا تُفَتِّشُوا عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ صَدَّقَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ (قَالَ:) وَالتَّغْلِبِيُّ وَالذِّمِّيُّ فِي الْمُرُورِ عَلَى الْعَاشِرِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مَعَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ (قَالَ:) وَإِنْ أُخِذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى مَا دَامَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ نَصْرَانِيًّا خَرَجَ بِفَرَسٍ مِنْ الرُّومِ لِيَبِيعَهُ فِي دَارِنَا فَأَخَذَ مِنْهُ الْعَاشِرُ الْعُشْرَ، ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ بَيْعُهُ فَلَمَّا عَادَ بِهِ لِيَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ طَالَبَهُ الْعَاشِرُ بِعُشْرِهِ، فَقَالَ: إنِّي كُلَّمَا مَرَرْتُ عَلَيْكَ لَوْ أَدَّيْتُ إلَيْكَ عُشْرَهُ لَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ فَتَرَكَ الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى الْمَدِينَةِ فَوَجَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ يَنْظُرُونَ فِي كِتَابٍ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنَفِيُّ فَمَا وَرَاءَكَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَعَادَ عُمَرُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى كَلَامِهِ فَرَجَعَ عَازِمًا عَلَى أَدَاءِ الْعُشْرِ ثَانِيًا فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْعَاشِرِ إذَا كِتَابُ عُمَرَ سَبَقَهُ أَنَّكَ إنْ أَخَذْتَ مَرَّةً فَلَا تَأْخُذُ مَرَّةً أُخْرَى.
(قَالَ) النَّصْرَانِيُّ: إنَّ دِينًا يَكُونُ الْعَدْلُ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَأَسْلَمَ.
وَلِأَنَّ تَجَدُّدَ حَقِّ الْأَخْذِ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الْحَوْلِ وَالْحَرْبِيِّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا، قَالَ فِي الْكِتَابِ: إلَّا أَنْ يَتَجَدَّدَ الْحَوْلُ، وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِحَالِهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ مِنْهُ ثَانِيًا لِتَجَدُّدِ الْحَوْلِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْ الذِّمِّيِّ (قَالَ:) فَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَ عَشَّرَهُ ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالرُّجُوعِ الْتَحَقَ بِحَرْبِيٍّ لَمْ يَدْخُلْ دَارَنَا قَطُّ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الدُّخُولِ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْمَانٍ جَدِيدٍ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ لِأَجْلِ الْأَمَانِ، وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ بِرُجُوعِهِ فَدُخُولُهُ ثَانِيًا يَكُونُ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ (قَالَ:) وَإِذَا مَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ مَوْلَاهُ يَتَّجِرُ بِهِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْعُشْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ بِضَاعَةً فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ كَمَا لَوْ كَانَ بِضَاعَةً مَعَ أَجْنَبِيٍّ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ كَسْبَ الْعَبْدِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَعَهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مَعَهُ فَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ يَأْخُذُ مِنْهُ رُبُعَ الْعُشْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمَا، وَفِي الْمُضَارِبِ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا: يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَلَا أَعْلَمُهُ رَجَعَ فِي الْعَبْدِ أَمْ لَا، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارِبِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْئًا أَيْضًا.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ حَقٌّ قَوِيٌّ يُشْبِهُ الْمِلْكَ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ، وَإِذَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ فَكَانَ حُضُورُ الْمُضَارِبِ كَحُضُورِ الْمَالِكِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ فِي الْمَالِ كَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْأَجِيرِ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِ التِّجَارَةَ فِي الْمَالِ لَا أَدَاءَ الزَّكَاةِ، وَالزَّكَاةُ تَسْتَدْعِي نِيَّةَ مَنْ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الثَّانِي فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْعَبْدِ فَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى إذَا لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَكَانَ فِي أَدَاءِ مَا يَجِبُ فِي كَسْبِهِ كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فِي التَّصَرُّفِ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ (قَالَ): وَإِذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ وَمَعَهُ بَرَاءَةٌ بِغَيْرِ اسْمِهِ يَقُولُ هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنْ عَاشِرِ كَذَا مَرَّ بِهِ رَجُلٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ مَعَهُ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ كَفَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ أَمِينٌ فَيُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَدَّيْتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ (قَالَ:)، وَإِنْ مَرَّ بِهِ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فَعَشَّرَهُ لَمْ يَحْسِبْهُ لَهُ عَاشِرُ أَهْلِ الْعَدْلِ، قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ زَكَاتِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ لَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ وَلَا يَصْرِفُونَهُ مَصَارِفَ الصَّدَقَةِ، وَصَاحِبُ الْمَالِ هُوَ الَّذِي عَرَضَ مَالَهُ لِلْأَخْذِ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ (قَالَ:) وَلَا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَلَا الْحَجُّ وَلَا قَضَاءُ دَيْنِ مَيِّتٍ وَلَا تَكْفِينُهُ وَلَا بِنَاءُ مَسْجِدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِعْلُ الْإِيتَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِيتَاءُ إلَّا بِالتَّمْلِيكِ فَكُلُّ قُرْبَةٍ خَلَتْ عَنْ التَّمْلِيكِ لَا تُجْزِي عَنْ الزَّكَاةِ وَإِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ فَإِنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْحَاجُّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَحَجَّ رَجُلًا فَالْحَاجُّ يُنْفِقُ عَلَى مِلْكِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَيِّتُ شَيْئًا وَمَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ تَكْفِينُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَلَا مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ مِنْ أَحَدٍ (قَالَ:) وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَافِرٌ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ دَفْعَهَا إلَى الذِّمِّيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ عَلَى طَرِيقِ التَّقَرُّبِ، وَقَدْ حَصَلَ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى الدَّفْعِ إلَى فُقَرَاءِ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ.
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَيِّنَ بِهِ حَاجًّا مُنْقَطِعًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ يَحْصُلُ بِهِ وَالْمُكَاتَبُ مِنْ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ بِالنَّصِّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَاجُّ الْمُنْقَطِعُ أَيْضًا، ثُمَّ هُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْن السَّبِيلِ، وَابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ، وَكَذَلِكَ يُقْضَى دَيْنُ مُغَرَّمٍ بِأَمْرِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُهُ بِأَمْرِهِ بِمِلْكِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا قَضَاهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ (قَالَ): وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الْوَاجِبِ جِنْسًا آخَرَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(قَالَ:)، وَإِنْ أَعْطَى مِنْ جِنْسِ مَالِهِ وَكَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِيمَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَبَهْرَجَةٌ فَأَدَّى مِنْهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ جِيَادًا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا خَمْسَةً نَبَهْرَجَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا عَنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالْوَاجِبِ وَلَا رِبًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةٌ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا، وَأَدَاءُ أَرْبَعَةٍ جِيَادٍ كَأَدَاءِ أَرْبَعَةٍ نَبَهْرَجَةٍ فَلَا تُجْزَيْهِ إلَّا عَنْ مِثْلِ وَزْنِهِ (قَالَ): رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ الْعَيْنُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالدَّيْنُ أَنْقُصُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ النَّاقِصِ عَنْ الْكَامِلِ فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فَالْوَجْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الْعَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهُ مِنْ يَدِهِ بِحِسَابِ دَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ أَدَاءُ زَكَاةِ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ بِأَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ وَخَمْسَةٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأهُ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسَةِ يَنْوِي بِهِ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَمَا أَبْرَأَ الْفَقِيرَ مِنْهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَأَنَّ دُونَهُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلِأَنَّ مُبَادَلَةَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا تَجُوزُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَكَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاجِبُ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ جُزْءٌ مِنْهُ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ عَلَى الْفَقِيرِ فَوَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ يَنْوِي عَنْ زَكَاةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَقَدْ أَوْصَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ النِّصَابَ الْعَيْنَ كُلَّهُ مِنْ الْفَقِيرِ (قَالَ): وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَنِيًّا فَوَهَبَ لَهُ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْجَامِعِ: يَضْمَنُ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقَالَ فِي نَوَادِرِ الزَّكَاةِ: لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَنْبَنِي عَلَى الْقَبْضِ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ، قَالَ: صَارَ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ بِمَا صَنَعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ عَيْنٍ فَوَهَبَهُ لِغَنِيٍّ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ يُجْعَلُ قَابِضًا حُكْمًا كَالْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا.
وَأَمَّا مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ إذَا وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ نِصَابًا أَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ عِنْدَنَا.
وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ: قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلٌ إنَّ زَكَاةَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَحَقِّهِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ الرِّبْحُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ، وَزَكَاةُ الْأَصْلِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ التَّبَعُ، وَقَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ يُسَلِّمُ لَهُ إنْ بَقِيَ كُلُّهُ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ هَلَكَ بَعْضُهُ فَهُوَ نَظِيرُ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ الرِّبْحَ بِطَرِيقِ الْجَعَالَة لَا بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ وَلَا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْجَعَالَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْعِمَالَةِ لِعَامِلِ الصَّدَقَاتِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكُهُ فِي الرِّبْحِ فَكَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ الْعَمَلُ وَرَأْسَ مَالِ الثَّانِي الْمَالُ وَالرِّبْحُ يَحْصُلُ بِهِمَا فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ، وَقَدْ نَصَّا فِي الْعَقْدِ عَلَى هَذَا وَتَنْصِيصُهُمَا مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ نَصِيبُهُ وَلَا حُكْمَ لِلشَّرِكَةِ إلَّا هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَارِبِ هُنَا، وَالرِّبْحُ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي نَصِيبِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ.
أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ لَمَّا كَانَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ (قَالَ): وَيَأْخُذُ الْعَاشِرُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ إذَا مَرَّ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا لَا يَأْخُذُونَ مِنْ مَالِ صِبْيَانِنَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ فَنُعَامِلُهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَنَا بِهِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ (قَالَ:) وَإِذَا مَرَّ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ بِالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْعِنَبِ وَالتِّينِ قَدْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ يُعَشِّرْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا يُعَشِّرُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَالْعَاشِرُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ فَيَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ لِحَاجَةِ صَاحِبِ الْمَالِ إلَى حِمَايَتِهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرْفَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْعَاشِرِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَمْرُورِ بِهِ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَبْقَى حَوْلًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ مَرَّ عَلَيْهِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ، وَقَالَ: فِي بَيْتِي مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ.
وَالثَّانِي- أَنَّ الْعَاشِرَ يَأْخُذُ مِنْ عَيْنِ مَا يَمُرُّ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ فُقَرَاءُ لِيَصْرِفَهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفْسُدُ فَقُلْنَا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِمْ الْمَأْخُوذَ (قَالَ): وَإِنْ مَرَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِلتِّجَارَةِ عَشَّرَ الْخَمْرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَمْ يُعَشِّرْ الْخَنَازِيرَ، وَرَوَاهُ فِي الْخَمْرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكَانَ مَسْرُوقٌ يَقُولُ: يَأْخُذُ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَنَازِيرِ وَحْدَهَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ مَرَّ بِهَا مَعَ الْخَمْرِ أَخَذَ مِنْهَا جَمِيعًا مِنْ الْقِيمَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخَنَازِيرَ فِي هَذَا تَبَعًا لِلْخَمْرِ وَهُوَ نَظِيرُ مَذْهَبِهِ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا تَبَعًا لِلْعَقَارِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لَهُ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: وُلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، ثُمَّ الْخَمْرُ عَيْنٌ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ قَبْلَ التَّخْمِيرِ كَانَ مَالًا وَهُوَ بِعَرْضِ الْمَالِيَّةِ إذَا تَخَلَّلَ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَاشِرُ مُسْلِمٌ فَلِهَذَا لَا يَأْخُذُ مِنْهَا (قَالَ): رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ مَكَثَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا، ثُمَّ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا، قَالَ: يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ رُجُوعِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْحَوْلِ إلَّا بِمَحِلٍّ.
(قَالَ): وَإِنْ مَكَثَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، أَمَّا عَلَى الْوَاهِبِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَوْلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِبَارِهِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ رُجُوعُ الْوَاهِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِقَضَاءٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْفُقَرَاءِ، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِالْمَوْهُوبِ يَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَرْهُونًا.
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَزَالَ مِلْكَهُ بِاخْتِيَارِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ ابْتِدَاءً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَرَضِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ.
وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ مَقْصُورٌ عَلَى الْعَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا بِدُونِ الْقَاضِي عَيْنَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الْقَاضِي لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ نَظَرَ لِنَفْسِهِ حِينَ لَمْ يَرَ فِي الْخُصُومَةِ فَائِدَةً فَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كِلَاهُمَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ (قَالَ:) وَإِذَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ طَعَامًا فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَهُ فَجَاءَ الْعَاشِرُ وَالطَّعَامُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ عُشْرَ الطَّعَامِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الْحَبَّ يَنْبُتُ عَلَى الْحَقَّيْنِ عُشْرُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِهِ لِلْمَالِكِ فَلَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي مِقْدَارِ الْعُشْرِ فَكَانَ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ بِخِلَافِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ.
وَعَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ إيتَاءُ الْعُشْرِ إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَالِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْعَيْنُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَبْطُلُ الْحَقُّ عَنْهُ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِيهِ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ حَالِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ لِإِتْلَافِهِ مَحِلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ (قَالَ): وَإِذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا زَرْعٌ قَدْ أَدْرَكَ فَعُشْرُ الزَّرْعِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ قَدْ ثَبَتَ فِي الزَّرْعِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِ الْخُرُوجِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِدْرَاكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِحْكَامِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَهُوَ نَمَاءُ أَرْضِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُهُ.
وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَقَدْ اسْتَحَقَّهُ عِوَضًا عَمَّا أَعْطَى مِنْ الثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ بَاعَهَا وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَعُشْرُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا حَصَدَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِي الْحَبِّ وَانْعِقَادُهُ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ نَمَاءُ أَرْضِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عُشْرُ مِقْدَارِ الْبَقْلِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النَّمَاءِ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ، أَمَّا عُشْر الْحَبِّ فَعَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ الزَّرْعَ وَهُوَ قَصِيلٌ فَإِنْ قَصَلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ فَالْعُشْرُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ تَرَكَهُ عَلَى الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فِي أَوَّلِ مَا يَطْلُعُ فَإِنْ قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي فَالْعُشْرُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ تَرَكَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أُدْرِكَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عُشْرُ مِقْدَارِ الطَّلْعِ وَالْبَقْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحَاصِلُ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بِانْعِقَادِ الْحَبِّ وَإِدْرَاكِ الثِّمَارِ يَزْدَادُ النَّمَاءُ فَيَزْدَادُ الْوَاجِبُ لَا أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا كَانَ وَاجِبًا أَوْ يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْحَبُّ هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا انْعَقَدَ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَانْعِقَادُهُ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلِهَذَا كَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ (قَالَ): وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ مَعَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُشْرَ مَحِلُّهُ الْخَارِجُ وَالزَّكَاةُ مَحِلُّهَا عَيْنُ مَالِ التِّجَارَةِ وَهُوَ الْأَرْضُ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: عُشْرُ الْأَرْضِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمَالِ النَّامِي وَهِيَ الْأَرْضُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالٍ وَاحِدٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ صَارَ وَظِيفَةً لَازِمَةً لِهَذِهِ الْأَرْضِ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَسْبِقُ ثُبُوتًا مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَ وُجُوبُهَا بِنِيَّتِهِ، فَلِهَذَا بَقِيَتْ عُشْرِيَّةً وَخَرَاجِيَّةً كَمَا كَانَتْ (قَالَ:) وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّاهَا مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الدَّارِ حَقٌّ آخَرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهِيَ وَسَائِرُ الْعُرُوضِ سَوَاءٌ (قَالَ:) وَلَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ: يَجِبُ أَدَاءُ الْعُشْرِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْهَا مَعَ الْخَرَاجِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَدَلَّا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ الْعُشْرَ مَعَ الْخَرَاجِ حَقَّانِ اخْتَلَفَا مَحِلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا، فَإِنَّ الْخَرَاجَ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ مَصْرُوفٌ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَالْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ مَصْرُوفٌ إلَى الْفُقَرَاءِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ، ثُمَّ الْخَرَاجُ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ لِلْأَرْضِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْأَرَاضِي الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً وَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْعُشْرِ فِي الْخَارِجِ.
وَجْهُ قَوْلِنَا مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»، وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَأْخُذْ الْعُشْرَ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ مَعَ كَثْرَةِ احْتِيَالِهِمْ لِأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَفَى بِالْإِجْمَاعِ حُجَّةً، ثُمَّ الْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُؤْنَتَانِ بِسَبَبِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبُهُمَا لَا يَجْتَمِعُ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ فَتْحُ الْأَرْضِ عَنْوَةً وَثُبُوتُ حَقِّ الْغَانِمِينَ فِيهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ إسْلَامُ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْبَلْدَةَ طَوْعًا وَعَدَمُ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَانِمِينَ فِيهَا، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ السَّبَبَانِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمَانِ جَمِيعًا (قَالَ): رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ قَدْ أَدْرَكَ زَرْعَهَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ.
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ صَدَقَةِ السَّائِمَةِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا دُونَ الْفِعْلِ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَبْقَى مَشْغُولًا بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ فِعْلُ الْإِيتَاءِ، وَالْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ مُسْتَحَقًّا بِبَقَاءِ الْمَالِ فَلِهَذَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ (قَالَ:) رَجُلٌ لَهُ رَطْبَةٌ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ: يَأْخُذُ مِنْهَا الْعُشْرَ كُلَّمَا قُطِعَتْ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي إيجَابِ الْعُشْرِ فِي الرَّطْبِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَمَقْصُودُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الْعُشْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ النِّصَابَ لِإِيجَابِ الْعُشْرِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالنِّصَابُ مُعْتَبَرٌ وَالْحَوْلُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَوْلِ لَتَحَقُّقِ النَّمَاءِ فِي السَّوَائِمِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْعُشْرُ لَا يَجِبُ إلَّا فِيمَا هُوَ نَمَاءٌ مَحْضٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْحَوْلِ فِيهِ (قَالَ:) وَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْعِنَبِ يَبِيعُهُ مَرَّةً عِنَبًا وَمَرَّةً عَصِيرًا وَمَرَّةً زَبِيبًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ أُخِذَ الْعُشْرُ فِي جَمِيع ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَابَى فِيهِ مُحَابَاةً فَاحِشَةً، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعُشْرَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَفِيمَا لَا يَبْقَى أَوْ لَا يَبْقَى، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا يَبْقَى فَيُنْظَرُ إلَى هَذَا الْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارٌ يَكُونُ فِيهِ مِنْ الزَّبِيبِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ أَكْثَرُ يَجِبُ الْعُشْرُ فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ وُجُوبَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَالِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عِنَبًا رَطْبًا رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَاءِ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الزَّبِيبُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَهُمَا قَالَ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَدَافَعَهُ سِنِينَ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ أَعْطَاهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا مَضَى، وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ دَافَعَهُ أَيْ أَنْكَرَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ لِزَكَاةٍ فَكَابَرَهُ بِهِ سِنِينَ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُحُودِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَجْحُودَ ضِمَارٌ وَلَا زَكَاةَ فِي الضِّمَارِ، وَفِي قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يُقِمْهَا سِنِينَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ قِبَلِهِ جَاءَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي هَذَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ (قَالَ): رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ، ثُمَّ قَبَضَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا فِيمَا مَضَى زَكَاةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهَا زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السَّوَائِمِ فَفِي النُّقُودِ مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْقُطُ عَنْهَا زَكَاةُ النِّصْفِ كَمَا فِي السَّوَائِمِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ بِالتَّعْيِينِ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ يَلْزَمُهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَاسْتِحْقَاقُ مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَعِنْدَنَا النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ إنَّمَا عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا لِلزَّوْجِ فَهَذَا دَيْنٌ لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلزَّكَاةِ (قَالَ:) وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُفَاوِضَيْنِ فَأَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةَ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ صَارَ نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ إقَامَةِ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَمَرَ صَاحِبَهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَا مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنْ أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِمَّا أَدَّى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَضْمَنْ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُؤَدَّيْ أَوَّلًا مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَيَضْمَنُ الْمُؤَدَّيْ آخِرًا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِمَّا أَدَّى فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ يَقُولُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا كَفَّرَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ مَا عَمِيَ الْعَبْدُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ سَوَاءً عَلِمَ بِتَكْفِيرِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ عَنْ قَصْدٍ وَفِعْلٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعَزْلِ وَنَظِيرُهُ لِوَكِيلٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا قَضَى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَضَى الْوَكِيلُ فَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا.
أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ قَالَ: هُوَ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ صَدَقَةً وَقُرْبَةً، وَأَدَاءُ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ لَا يَنْفِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فَكَانَ هُوَ فِي الْأَدَاءِ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُمَلِّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ الدَّيْنَ فَكَانَ قَضَاؤُهُ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: هُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ أَدَّى غَيْرَ الزَّكَاةِ فَكَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا، أَنَّ بَيَانَهُ مُوجِبُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَقَدْ سَقَطَ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إسْقَاطُهُ بِأَدَاءِ الْوَكِيلِ وَكَانَ أَدَاءُ الْمُوَكِّلِ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ الْمُوَكِّلُ الْعَبْدَ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَدَّى مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ بِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ فَلَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ مُوجِبًا عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا.
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ لَمْ نُوجِبْ الضَّمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِجَهْلِهِ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ لَا يَلْحَقُ الْمُوَكِّلَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْقَابِضِ وَيَضْمَنُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَهُنَا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الضَّمَانَ أَدَّى إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَا تَضْمِينِهِ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ بِكُلِّ حَالٍ (قَالَ): رَجُلٌ دَفَنَ مَالِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ فَنَسِيَهُ حَتَّى مَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَنَهُ فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ حِرْزٌ فَالْمَدْفُونُ فِيهِ يَكُونُ فِي يَدِهِ حُكْمًا، وَقِيَامُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ تَاوِيًا فَأَمَّا الصَّحْرَاءُ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ فَانْعَدَمَ بِهِ يَدُهُ حِينَ عَدِمَ طَرِيقَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ فَكَانَ تَاوِيًا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَدْفُونَ فِي بَيْتِهِ يَتَيَسَّرُ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِنَبْشِ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَدْفُونِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ إنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ مَعَارِفِهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى إنْ تَذَكَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَتَعَذُّرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.